مع اكتمال العام الأول للرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، ارتسمت في المنطقة العربية ملامح الإستراتيجية التي نشر بعض تفاصيلها الصحفي الأميركي مايكل وولف في كتابه "نار وغضب في بيت ترمب الأبيض".
تختزل إستراتيجية ترمب -كما صورها وولف- المنطقة في أربع دول هي إسرائيل وإيران والسعودية ومصر، ويضع الرئيس وفريقه معالم خطة التعامل بناء على مواقع كل من الأطراف الثلاثة.
هناك عدو لأميركا هو إيران، وصديق هو إسرائيل، وحليفان "على وشك الانهيار" هما مصر والسعودية، ويجب -وفق الخطة- دفع الحليفين بالتخويف من العدو ليكونا في حلف مع الصديق.
وعند الغوص في التفاصيل، تعتبر مصلحة الصديق هي محور كل الإستراتيجية، وهو ما عبر عنه كبير مستشاري الرئيس للشؤون الإستراتيجية ستيف بانون حين قال "دعونا نعط الضفة الغربية للأردن، وغزة لمصر، لندعهم يحلّون المشاكل هناك أو يغرقون في المحاولات. السعودية على وشك الانهيار، والمصريون على حافة الانهيار".
وبهذا التصريح تكون معالم الخطة التنفيذية للإستراتيجية قد اتضحت، يضاف إليها ما صرح به ترمب نفسه من نيته سحب كل أموال منطقة الخليج إلى الاقتصاد الأميركي.
ومع اتضاح معالم الخطة التنفيذية تتضح محاور "صفقة القرن" التي تقضي بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على طريقة ترمب، وهي تسليم أغلب الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشريف لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، ودمج إسرائيل في المنطقة من خلال التحالف مع الدول السنية.
وبعد زيارته للسعودية بشَّر ترمب بهذه الخطة حين أعلن أنه لمس تبدلا في المشاعر تجاه إسرائيل، وهو ما وجد صدى واسعا في الصحافة السعودية، ولدى مغردين ونشطاء قريبين من القصر السعودي، انخرط بعضهم علنا في الدفاع عن إسرائيل واعتبرها أقرب إلى مصالح السعودية من إيران.
ولم يبق الأمر مجرد استنتاجات، فعندما تجرأ ترمب وأعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وعزمه نقل السفارة الأميركية إليها، خرجت التسريبات من مصر بتوجيه وسائل الإعلام التابعة للنظام الحاكم بأن "مصر لا تمانع من القبول بتسليم القدس إلى إسرائيل، واعتبار رام الله عاصمة لفلسطين".
كما خرج مسؤولون فلسطينيون عن صمتهم، وقالوا علنا إن السعودية عرضت "صفقة القرن" على الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي التقاه العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، وحاولا ثنيه عن قمة إسلامية دعت إليها تركيا وخُصِّصت لنقاش قرار ترمب بشأن القدس.
وسربت الصحافة تهديدات تلقاها عباس من ابن سلمان بشأن المساعدات السعودية إلى السلطة الفلسطينية.
رغم كون الإستراتيجية تنظر إلى إيران على أنها عدو أميركا في المنطقة، فإن ترمب يكتفي بتفعيل التحالفات الإقليمية التقليدية للضغط على طهران، دون أي جهد عملي لكف يدها عن العواصم العربية التي باتت تتحكم في جزء كبير من قرار أربع منها، وتتحكم القوى التابعة لها بموازين القوة داخل هذه العواصم الأربع.
كما أن روسيا التي يَعُدُّها ترمب من جملة الأشرار، باتت مطلقة اليد في ساحات بالمنطقة من بينها سوريا التي يغطي سماءها الطيران العسكري الروسي، ويعامل رئيسها في سوريا معاملة الفاتحين، دون أن يخفي معارضته للسياسة الأميركية بالمنطقة.
يكشف الكتاب -الذي وصفه ترمب بالأكاذيب، دون أن يكذّبَ أحدُ مساعديه ما أورده المؤلف- أن الرئيس الأميركي يريد رسم مستقبل جديد للمنطقة عبر التحكم في مطامح بعض قادتها ومخاوفهم وأطماعهم، دون حساب لمصالح الشعوب. فالنار والغضب هناك في البيت الأبيض، واللهب والحرائق هنا في الشرق الأوسط.