كان الشلال يهدر بعنف، وكانت مياهه تندفع بقوة، وكان في الغابة المحيطة بالشلال غزال وديع، أزعجه هدير الشلال واندفاع مياهه، فقال متضايقا:
ألا يمكنك أيها الشلال العظيم أن تكون أهدأ قليلا؟
فأجابه الشلال ساخرا: هه هاه... اسكت أيها الحيوان الضعيف، وكل عشبك في هدوء!
فهمهم الغزال: "ما كان العنف في شيء إلا شانه، وما كان الرفق في شيء إلا زانه"!
وكانت في الغابة سلحفاة عجوز فسمعت حوار الغزال والشلال، فأعجبها حديث الغزال عن العنف والرفق، وأحست أن فيه معنى جميلا، فقالت:
هلا شرحت لي هذا الكلام؛ أيها الغزال النبيل؟
فهمس الغزال في أذنها مخافة أن يسمعه الشلال: إن هذا الشلال العنيف يعيّبني بأني حيوان ضعيف آكل العشب وأحب الهدوء، وهو لا يدري أنه يقتل نفسه بهذا العنف المدمر!
قالت السلحفاة باستغراب: يقتل نفسه! كيف يكون ذلك؟
قال الغزال: نعم، إن الشلالات العنيفة تقتل نفسها بنفسها؛ فهي تدمر المرتفعات التي تسقط منها مياهها، وإذا لم تجد المياه مرتفعات عالية تنزل منها على هيئة شلال، تحول الشلال إلى نهر صغير.
فهزت السلحفاة رأسها مندهشة، وقالت: صدقت إذن؛ ما كان العنف في شيء إلا شانه، ولا كان الرفق في شيء إلا زانه!
المصدر:
فندق الثعالب تأليف محمد المخزنجي.
دار الشروق، ص 31-32، (بتصرف).
كَانَ الشَّلَّالُ يَهْدِرُ بِعُنْفٍ، وَكَانَتْ مِيَاهُهُ تَنْدَفِعُ بِقُوَّةٍ، وَكَانَ فِي الْغَابَةِ الْمُحِيطَةِ بِالشَّلَّالِ غَزَالٌ وَدِيعٌ، أَزْعَجَهُ هَدِيرُ الشَّلَّالِ وَانْدِفَاعُ مِيَاهِهِ، فَقَالَ مُتَضَايِقًا:
أَلَا يُمْكِنُكَ أَيُّهَا الشَّلَاَّلُ الْعَظِيمُ أَنْ تَكُونَ أَهَدَأَ قَلِيلًا؟
فَأَجَابَهُ الشَّلَاَّلُ سَاخِرًا: هَهْ هَاهْ!.. اسْكُتْ أَيُّهَا الْحَيَوَانُ الضَّعِيفُ، وَكُلْ عُشْبَكَ فِي هُدُوءٍ!
فَهَمْهَمَ الْغَزَالُ: "مَا كَانَ الْعُنْفُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، وَمَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ"!
وَكَانَتْ فِي الْغَابَةِ سُلَحْفَاةٌ عَجُوزٌ فَسَمِعَتْ حِوَارَ الْغَزَالِ وَالشَّلَّالِ، فَأَعْجَبَهَا حَديثُ الْغَزَالِ عَنِ الْعُنْفِ وَالرِّفْقِ، وَأَحَسَّتْ أَنَّ فِيهِ مَعْنًى جَمِيلًا، فَقَالَتْ:
هَلَّا شَرَحْتَ لِي هَذَا الْكَلَامَ؛ أَيُّهَا الْغَزَالُ النَّبِيلُ؟
فَهَمَسَ الْغَزَالُ فِي أُذْنِهَا، مَخَافَةَ أَنْ يَسْمَعَهُ الشَّلَّالُ: إِنَّ هَذَا الشَّلَّالَ الْعَنِيفَ يُعَيِّبُنِي بِأَنِّي حَيَوَانٌ ضَعِيفٌ، آكَلُ الْعُشْبَ وَأُحِبُّ الْهُدُوءَ، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ يَقْتُلُ نَفْسَهُ بِهَذَا الْعُنْفِ الْمُدَمِّرِ!
قَالَتِ السُّلَحْفَاةُ بِاسْتِغْرَابٍ: يَقْتُلُ نَفْسَهُ! كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟
قَالَ الْغَزَالُ: نَعَمْ، إِنَّ الشَّلَّالَاتِ الْعَنِيفَةَ تَقْتُلُ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا؛ فَهِيَ تُدَمِّرُ الْمُرْتَفِعَاتِ الَّتِي تَسْقُطُ مِنْهَا مِيَاهُهَا، وَإِذَا لَمْ تَجِدِ الْمِيَاهُ مُرْتَفِعَاتٍ عَالِيَةً تَنْزِلُ مِنْهَا عَلَى هَيْئَةِ شَلَاَّلٍ، تَحَوَّلَ الشَّلَاَّلُ إِلَى نَهْرٍ صَغِيرٍ.
فَهَزَّتِ السُّلَحْفَاةُ رَأَسَهَا مُنْدَهِشَةً، وَقَالَتْ: صَدَقْتَ إِذَنْ؛ مَا كَانَ الْعُنْفُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، وَلَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ!
المصدر:
فندق الثعالب تأليف محمد المخزنجي.
دار الشروق، ص 31-32، (بتصرف).